في إنجاز علمي يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، أعلن فريق بحثي مصري مشترك من جامعة القاهرة والمركز القومي للبحوث عن اكتشاف دواء جديد يحمل اسم “كرونوسيل” (Chronocell) يمثل طفرة في علاج العديد من الأمراض المزمنة التي تؤثر على ملايين المصريين. هذا الاكتشاف الذي استغرق تطويره أكثر من عشر سنوات من البحث العلمي المكثف، يفتح آفاقاً جديدة في معالجة أمراض مزمنة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والتهاب المفاصل الروماتويدي.
في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل هذا الاكتشاف العلمي الرائد، وآلية عمله، والنتائج الواعدة للتجارب السريرية، بالإضافة إلى تأثيره المتوقع على منظومة الرعاية الصحية في مصر والعالم العربي، وما يمثله من فرصة للنهوض بصناعة الدواء المصرية.
قصة الاكتشاف: رحلة علمية مصرية خالصة
الفريق البحثي وراء الاكتشاف
بدأت قصة اكتشاف “كرونوسيل” في عام 2013، عندما شكل الدكتور أحمد رشدي، أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، فريقاً بحثياً متعدد التخصصات ضم 27 عالماً وباحثاً من مختلف التخصصات الطبية والصيدلانية. عمل الفريق بالتعاون مع المركز القومي للبحوث ومدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بالإسكندرية.
يقول الدكتور رشدي: “كانت فكرة الدواء مبنية على ملاحظة علمية دقيقة حول العلاقة بين الالتهابات المزمنة منخفضة الدرجة والعديد من الأمراض المستعصية. بدأنا بفرضية أن استهداف مسارات الالتهاب على المستوى الجزيئي قد يكون مفتاحاً لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض المزمنة”.
مراحل التطوير العلمي
مر تطوير “كرونوسيل” بعدة مراحل علمية دقيقة:
مرحلة الاكتشاف الأساسي (2013-2015): تضمنت دراسات مخبرية مكثفة لفهم الآليات الجزيئية للالتهابات المزمنة.
مرحلة تطوير المركب (2015-2018): تم خلالها اختبار أكثر من 2000 مركب كيميائي للوصول إلى المركب النهائي الذي يجمع بين الفعالية العالية والآثار الجانبية المحدودة.
التجارب قبل السريرية (2018-2020): أجريت اختبارات مكثفة على نماذج حيوانية لتقييم سلامة وفعالية الدواء. أظهرت هذه التجارب نتائج مبهرة في خفض مستويات الالتهاب وتحسين وظائف الأعضاء المتأثرة.
التجارب السريرية (2020-2023): تم إجراء ثلاث مراحل من التجارب السريرية على متطوعين مصريين، بإشراف هيئة الدواء المصرية ووفق المعايير الدولية للتجارب السريرية.
الدكتورة منى حسين، أستاذة المناعة المشاركة في الفريق البحثي، أوضحت: “ما يميز هذا الاكتشاف أنه نتاج عقول مصرية خالصة، استطاعت تجاوز التحديات المالية واللوجستية بإصرار وابتكار. لم نعتمد على تقنيات مستوردة، بل طورنا أساليبنا الخاصة التي تناسب الإمكانيات المتاحة”.
آلية عمل الدواء: ابتكار علمي فريد
المبدأ العلمي الأساسي
يعمل “كرونوسيل” على مبدأ علمي مبتكر يسمى “تعديل الاستجابة المناعية الانتقائي”، حيث يستهدف بشكل محدد مسارات الالتهاب المزمن دون التأثير على وظائف المناعة الأساسية الضرورية للجسم.
الدواء يعمل من خلال آليتين رئيسيتين:
تثبيط البروتين المفتاحي NF-kB: وهو عامل نسخ رئيسي يتحكم في التعبير الجيني للعديد من البروتينات المسؤولة عن الالتهاب.
تحفيز مسار Nrf2: وهو مسار خلوي مضاد للأكسدة يحمي الخلايا من الإجهاد التأكسدي المرتبط بالالتهابات المزمنة.
يشرح الدكتور كريم فؤاد، أستاذ علم الأدوية بالفريق البحثي: “ما يميز هذا الدواء هو قدرته على استهداف جذور المشكلة وليس فقط الأعراض. معظم الأدوية الحالية تعالج أعراض الأمراض المزمنة، بينما يعمل كرونوسيل على تعديل المسارات الالتهابية المسببة للمرض، مما يمنح فرصة للشفاء الحقيقي وليس فقط السيطرة على الأعراض”.
التركيبة الفريدة للدواء
يتكون “كرونوسيل” من مركب رئيسي مشتق من مادة طبيعية موجودة في نبات البردقوش المصري، تم تعديلها كيميائياً لتعزيز فعاليتها وتحسين امتصاصها في الجسم. كما تم دمجها مع تقنية “النانو ليبوسومز” التي تضمن وصول المادة الفعالة إلى الأنسجة المستهدفة بتركيز مثالي.
الدكتورة سمر عبدالله، خبيرة تكنولوجيا النانو المشاركة في المشروع، توضح: “استخدمنا تقنيات النانو المتقدمة لتغليف المادة الفعالة بطبقة دهنية دقيقة تحميها من التحلل في الجهاز الهضمي وتضمن وصولها إلى مجرى الدم بتركيز مثالي. هذه التقنية تقلل الجرعة المطلوبة وبالتالي تخفض احتمالات الآثار الجانبية”.
التجارب السريرية: نتائج واعدة تفوق التوقعات
المرحلة الأولى: السلامة والجرعة
أجريت التجارب السريرية للمرحلة الأولى على 120 متطوعاً سليماً للتأكد من سلامة الدواء وتحديد الجرعة المثلى. أظهرت النتائج أن الدواء آمن بشكل عام مع آثار جانبية طفيفة ومؤقتة مثل صداع خفيف وغثيان عابر لدى نسبة صغيرة من المشاركين.
المرحلة الثانية: الفعالية المبدئية
شارك في المرحلة الثانية 450 مريضاً يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي ومرض السكري من النوع الثاني. أظهرت النتائج تحسناً ملحوظاً لدى 78% من مرضى الروماتويد و82% من مرضى السكري.
من النتائج البارزة لهذه المرحلة:
انخفاض مستويات السكر التراكمي (HbA1c) بنسبة 1.8% في المتوسط
تحسن في مؤشرات الالتهاب مثل CRP وESR بنسبة تتجاوز 65%
تقليل آلام المفاصل وتورمها بنسبة 70% لدى مرضى الروماتويد
تحسن ملحوظ في وظائف الكلى لدى المرضى الذين يعانون من اعتلال الكلية السكري
المرحلة الثالثة: الدراسات الموسعة
شملت المرحلة الثالثة أكثر من 2500 مريض في 12 مركزاً طبياً موزعة على 8 محافظات مصرية، وامتدت لفترة عامين كاملين. توسعت هذه المرحلة لتشمل أمراضاً إضافية مثل:
التهاب المفاصل الروماتويدي
مرض السكري من النوع الثاني
ارتفاع ضغط الدم المزمن
الذئبة الحمراء
التهاب القولون التقرحي
مرض كرون
أظهرت النتائج النهائية للتجارب:
فعالية تتراوح بين 70-85% في مختلف الأمراض المستهدفة
انخفاض الحاجة للأدوية التقليدية بنسبة تصل إلى 60%
تحسن في جودة الحياة بنسبة 75% وفق مقاييس QoL العالمية
استمرار التحسن لدى غالبية المرضى حتى بعد تقليل الجرعة
يقول الدكتور هاني سعيد، استشاري أمراض الروماتيزم المشارك في التجارب: “ما أدهشنا حقاً هو استجابة بعض المرضى الذين استعصت حالاتهم على العلاجات التقليدية. رأينا مرضى روماتويد يعانون منذ عقود يستعيدون حركة مفاصلهم بعد أشهر قليلة من العلاج”.
التأثير المتوقع على منظومة الرعاية الصحية في مصر
خفض التكلفة العلاجية للأمراض المزمنة
تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن “كرونوسيل” قد يخفض تكلفة الرعاية الصحية للأمراض المزمنة في مصر بنسبة تتراوح بين 30-40%. ويرجع ذلك إلى:
تقليل الحاجة إلى استخدام أدوية متعددة لنفس المرض
انخفاض معدل المضاعفات والدخول للمستشفيات
تقليل الحاجة للعلاجات البيولوجية باهظة الثمن في حالات الأمراض المناعية
خفض تكلفة العلاجات طويلة الأمد للأمراض المزمنة
يقول الدكتور حسام عبدالغفار، خبير اقتصاديات الدواء: “التأثير الاقتصادي للدواء الجديد سيكون كبيراً. نتحدث عن توفير مليارات الجنيهات سنوياً من فاتورة العلاج، خاصة أن الأمراض المزمنة تمثل العبء الأكبر على منظومة الرعاية الصحية في مصر”.
تخفيف الضغط على منظومة الرعاية الصحية
يتوقع الخبراء أن يؤدي استخدام “كرونوسيل” على نطاق واسع إلى:
تقليل عدد زيارات المرضى للعيادات الخارجية بنسبة 35%
خفض معدلات دخول المستشفى بسبب مضاعفات الأمراض المزمنة بنسبة 40%
تقليل قوائم الانتظار للحصول على العلاجات المتخصصة
تحسين جودة الحياة للمرضى وتقليل أيام العجز
تقول الدكتورة هبة أنور، استشارية الصحة العامة: “تكمن أهمية هذا الاكتشاف في قدرته على إحداث تحول في نموذج الرعاية الصحية من العلاج إلى الوقاية والسيطرة طويلة الأمد على الأمراض المزمنة، مما يخفف الضغط الهائل على المنظومة الصحية”.
الإنتاج المحلي والتصنيع: فرصة لصناعة الدواء المصرية
خطط الإنتاج التجاري
وقعت وزارة الصحة المصرية اتفاقية مع تحالف من شركات الدواء المصرية لإنتاج “كرونوسيل” محلياً، بهدف توفيره بأسعار مناسبة للمواطنين. يتكون التحالف من 3 شركات وطنية كبرى تمتلك الخبرة والبنية التحتية اللازمة للإنتاج وفق المعايير العالمية.
تشمل خطة الإنتاج المراحل التالية:
بدء الإنتاج التجريبي في الربع الأول من عام 2024
الإنتاج الكامل والطرح في الأسواق بحلول منتصف 2024
تغطية احتياجات السوق المحلية خلال العام الأول
البدء في التصدير للأسواق العربية والأفريقية بداية من عام 2025
من المتوقع أن يصل حجم الإنتاج إلى 50 مليون وحدة سنوياً بحلول عام 2026، وفقاً للخطة الموضوعة.
نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة
يمثل “كرونوسيل” فرصة ذهبية لنقل وتوطين تكنولوجيا تصنيع الأدوية المتقدمة في مصر. وفي هذا الإطار، تم إنشاء مركز متخصص للتدريب ونقل المعرفة بالتعاون بين الفريق البحثي وشركات الإنتاج.
يقول الدكتور عمرو عثمان، رئيس هيئة الدواء المصرية: “هذا الاكتشاف يمثل نموذجاً للتكامل بين البحث العلمي والصناعة. نسعى لاستغلال هذه الفرصة لتوطين تكنولوجيا تصنيع الأدوية المبتكرة ونقل الخبرات إلى الكوادر الوطنية، مما سيؤسس لصناعة دوائية مصرية متطورة”.